/ الفَائِدَةُ : (116) /
25/11/2025
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَاللَّعْنَةُ الدَّائِمَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ. / طبقاتُ حقائقِ أَهْلِ الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عِلَلٌ غَائِيَّةٌ / إِنَّ ما ورد في بيانات الوحي ، منها : بيان الحديث القدسي ، عن الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، قال : « ... كان اللّٰـه ولا شيء غيره ولا معلوم ولا مجهول ، فأَوَّل ما ابتدأ من خلق خلقه أَنْ خلق مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وخلقنا أَهْل الْبَيْتِ معه من نوره وعظمته ... ثُمَّ قال لمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : وعزَّتي وجلالي وعلوّ شأني ، لولاك ولولا عَلِيّ وعترتكما الهادون المهديُّون الرَّاشدون ما خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا المكان ، ولا الأَرض ولا السَّماء ، ولا الملائكة ولا خلقاً يعبدني ... من أَجلكم ابتدأتُ خلق ما خلقتُ ...»(1). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ على أَنَّه لقرب طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ الصَّاعدة ـ وتتبعها طبقات حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ المتوسطة والنَّازلة ـ من مُطْلَقِ الحَقِيقَةِ ؛ الذَّات الْإِلَهِيَّة الْأَزَلِيَّة الْمُقَدَّسَة ، وحُظُوتها لديه ( تَقَدَّسَ ذِكْرُهُ) ، ولعلوِّ مقاماتها وكمالاتها بحيث لا يدانيها مقامات وكمالات مخلوق قَطُّ ؛ لم يكن للمخلوقات غاية وشرف وعزّ ومجد وفخر إِلَّا أَنْ تكون الغاية من خلقتها وقوعها في طريق الوصول إِلى تلك الطَّبقات الموصلة لِسَاحَةِ الْقُدْسِ الْإِلَهِيَّةِ ليس إِلَّا. ولَكَ أَنْ تقول : إِنَّ هناك قاعدة تُذْكَر في المباحث المعرفيَّة ، وهي : « أَنَّ المخلوق السَّافل لا يُخلق لأَجل المخلوق السَّافل ، بل لأَجل المخلوق العالي ». وعليه : تكون جملة العوالم وكافَّة المخلوقات الإِلٰهيَّة غيرالمتناهية مخلوقة لأَجل طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ بعد ما كانت هذه الطبقات هي الأَلْصَقُ على الاطلاق بالذَّات الْإِلَهِيَّة الْمُقَدَّسَة . وهذا ما تُشير إِليه ـ إِضافة لِـمَا تقدَّم ـ بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان حديث الكساء : « ... وعِزَّتي وجلالي ، إِنِّي ما خَلَقتُ سمآءً مبنيَّةً ، ولا أَرضاً مدحِيَّةً ، ولَا قَمَراً مُنيراً ، ولا شمساً مُضيئةً ، ولا فَلَكاً يَدُور ، ولا بحراً يَجرِي ، ولا فُلْكاً تَسرِي إِلَّا لأَجْلِكُمْ ... [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] (2) ... »(3). 2ـ بيان الحديث القدسي مُنضمّاً إِليه بيان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « ... وأَنَّ أَبي آدم لَـمَّا رأَىٰ اسمي واسم عَلِيّ وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأَسمآء أَولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنُّور قال : إِلٰهي وسيِّدي ، هل خلقتُ خلقاً هو أَكرم عليكَ مِنِّي ؟ فقال : يا آدم ، لولا هذه الأَسمآء لَـمَا خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولاملكاً مُقَرَّباً ، ولا نبيّاً مرسلاً ، ولا خلقتك يا آدم ، فلَمَّا عصىٰ آدم ربَّه وسأله بحقِّنا أَنْ يتقبَّل توبته ، ويغفر خطيئته فأجابه ، وكُنَّا الكلمات تلقَّاها آدم من ربِّه (عزَّوجلَّ) ، فتاب عليه ، وغفر له ... فحمد آدم ربَّه (عزَّوجلَّ) وافتخر على الملائكة بنا ... » (4). 3ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وإِنَّ جميع الرسل والملائكة والأَرواح خُلقوا لخلقنا ... »(5). 4ـ بيان الإِمام الباقر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... إِنَّ لَنَا عند اللَّـه منزلةً ومكاناً رفيعاً ، ولولا نحن لم يخلق اللَّـه أَرضاً ولا سمآءً ، ولا جنَّةً ولا ناراً ، ولا شمساً ولا قمراً ، ولا بَرّاً ولا بحراً ، ولا سهلاً ولا جبلاً ، ولا رطباً ولا يابساً ولا حلواً ولا مرّاً ، ولا ماءً ، ولا نباتاً ولا شجراً ، اخترعنا اللَّـه من نور ذاته ، لا يُقاس بنا بشر ... »(6). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... لَـمَّا رأَوا أَسماءنا مكتوبة على سرادق العرش ... قال اللَّـه : ... لولا هؤلاء ... ما خلقتُ سمآءً مبنيَّة ، ولا أَرضاً مدحيَّة ، ولا مَلَكاً مُقرَّب ، ولا نبيّاً مرسل ، ولا خلقتكَ يا آدم ... »(7). 6ـ بيان الإِمام الرضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وإِنَّ آدم لَـمَّا أَكرمه اللَّـه (تعالىٰ ذكره) بإسجاد ملائكته له ، وبإِدخاله الجنَّة قال في نفسه : هل خلق اللَّـه بشراً أَفضل مِنِّي ؟ فعلم اللَّـه (عزَّوجلَّ) ما وقع في نفسه فناداه : ارفع رأسكَ يا آدم ، فانظر إِلى ساق عرشي ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش ، فوجد عليه مكتوباً : لَا إِلٰه إِلَّا اللَّـه ، مُـحمَّد رسول اللَّـه ، عَلِيّ بن أبي طالب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ، وزوجته فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيِّدا شباب أَهل الجنَّة. فقال آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ : يا ربّ ، مَنْ هؤلاء ؟! فقال (عزَّوجلَّ) : من ذرِّيَّتكَ ، وهم خير منكَ ، ومن جميع خلقي ، ولولا هُم ما خلقتكَ ، ولا خلقتُ الجنَّة والنَّار ، ولا السَّمآء والأَرض ، فإِيَّاكَ أَنْ تنظر إِليهم بعين الحسد ؛ فأخرجكَ عن جواري ... »(8). ودلالة الجميع قد اِتَّضحت. وهذا أَحد معاني خلوص وإِخلاص السَّافل للعالي ؛ لأَنَّ كمال السَّافل يكمن في توجُّهه إِلى العالي ، لا في تمحوره حول ذاته. ومنه تتَّضح : كثير من بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : بيان الحديث القدسي مخاطباً (تقدَّس ذكره) سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : « يا أَحمد ، لولاك لَـمَا خلقتُ الأَفلاك ، ولولا عَلِيّ لَـمَا خلقتُكَ ، ولولا فاطمة لَـمَا خلقتكما »(9). فإِنَّه دالٌّ على أَنَّ جملة الأَفلاك لم تُخلق لولا حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لها . وكذا طبقات حقيقته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ النَّازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّاعدة ؛ فإِنَّ طبقات حقيقته صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّاعدة علَّة غائية لطبقات حقيقة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ النازلة . وعلى هذا قس طبقات حقيقتيهما صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما النازلة ؛ فإِنَّها لم تُخلق لولا طبقات حقيقة فاطمة الزهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها الصَّاعدة ؛ فإِنَّها علَّة غائيَّة لطبقات حقيقتيهما صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما النَّازلة. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 25 : 17 ـ 20/ح31. (2) الأحزاب : 33. (3) عوالم العلوم ، 11 / قسم : 2 : 933 . (4) بحار الأَنوار ، 35 : 23/ح15. الروضة البهية : 17 ـ 18. روضة الواعظين : 72 ـ 74. (5) بحار الأَنوار ، 39 : 350/ح24. تفسير فرات : 61 ـ 62. (6) بحار الأَنوار ، 26 : 8 ـ 17/ح2. (7) الهداية الكبرىٰ : 432. (8) بحار الأَنوار ، 26 : 273/ح15. عيون الأَخبار : 170. (9) عوالم العلوم ، 11: 43. ملتقىٰ البحرين: 14. مستدرك سفينة البحار، 3: 334